روائع مختارة | واحة الأسرة | أولاد وبنات (طفولة وشباب) | سبع سنين أصبح عمري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > أولاد وبنات (طفولة وشباب) > سبع سنين أصبح عمري


  سبع سنين أصبح عمري
     عدد مرات المشاهدة: 2961        عدد مرات الإرسال: 0

ركضت بكرتي إلى والدتي، كانت عند البصل تقطّعه وعيناها تدمعان لحرارة البصل.

= أمي، أيقظيني غداً لصلاة الفجر، أريد أن أصلي مع أبي في المسجد.

أجابتني وهي تعصر عينيها:

ـ ولكنّك لا تزال صغيراً.

أطلقت نبرة تذمّر وإستياء:

= دائما تقولون لي أنت كبير، وعندما أقول لكم أيقظوني للصلاة تقولون بأنّي صغير!

ـ عندما يصبح عمرك سبع سنين فسوف أوقظك حتما لتذهب مع أبيك إلى الصلاة.

= وهل يتطلّب ذلك وقتاً؟

ـ لا، ستحتاج إلى بضعة شهور فقط.

تهلّل وجهي:

= وسأصبح كبيراً مثل أبي.

مسحت وجهها ضاحكة:

ـ لا، ولكنّك ستتمكّن من الوقوف على هذه الطاولة دون الحاجة إلى استخدام الكرسيّ.

لا أدري ماذا تعني أمّي بالشهور، حاولت أن أفهم ذلك من توضيحات والدي، ولكنّه لم يستطع أن يشرحها جيّداً، ولكنّ الذي فهمته هو أنّ عليّ القيام بتمارين جيّدة حتّى أتمكّن من الوقوف على الطاولة دون الحاجة إلى الكرسيّ.

دخلت أمّي على صوت هتافاتي وأنا أصيح على الطاولة:

= هيييييييييييه لقد إنتصرت، أنا الآن رجل، لقد أصبح عمري سبع سنيييين.

ـ رائع، رائع جداً.

صفّقت لي بحماس وأختي الصغرى بجوارها تنظر إليّ فاغرة فمها بذهول.

خطفتني من عليائي وضمّتني بين يديها:

ـ صغيري، لا، لم تعد صغيراً، أصبح عمرك سبع سنين، أنت الآن رجل يُعتمد عليك.

= أنا الآن رجل؟ أرخيت جفني، وإستسلمت لحضن أمّي جذلاً.

لا أستطيع النوم، غداً، وفي وقت الفجر تحديداً، سيأخذني أبي إلى المسجد.

كان دائماً يرفض ذهابي، كان يراني طفلاً، والآن أنا رجل، ويجب عليّ أن أذهب للصلاة، إستطعت أن أكون بالفعل بطلاً قويّاً، ولكنّني لم أتمكّن من البقاء في مركز القوّة لأكثر من أسبوع.

الظلام يلفّ سريري، أُخرج رأسي من تحت اللحاف لكي أرى رؤوس الأشياء مرعبة تحت أضواء المصابيح البعيدة، والبرد يحاول إفتراس قدميّ الصغيرتين الدافئتين، وهناك يصدح الأذان.

ربّي، ماذا أفعل؟ كيف أخرج من هذا النعيم؟ كيف يمكنني إختراق الظلام والبرودة كي أصل إلى الحمام؟ لا، أنا لم أكمل السابعة بعد، ربّما بقي يوم أو يومان، وربّما شهر، وغفت عيناي لهذا الخاطر.

- تك.. أضيئت الغرفة، لا مناص.

ـ هيا يا بنيّ.

بكيت متوسّلاً:

= أممممممممي أرجوك أشعر بالبرد.

ـ لا بأس، ألا تريد النور التامّ يوم القيامة؟

حملت نفسي مرغماً وذهبت للوضوء.

يجب أن أصلي، وأريد أن أنام، هل يمكن لهذا الصراع أن يقف عن الإضطراب في صدري؟

ذهب محمّد إلى المدرسة جيّد هذا آخر ما تبقّى لي من حلّ الواجب، والآن عليّ التفكير بجديّة لحلّ مشكلتي. صفّقت بيديّ: رائع، لقد وجدت الحلّ

بعد تناول العشاء ذهبت لأتوضّأ: هذا وضوء صلاة الفجر، ممتاز، إنّ الظهر بارد أيضاً، هه، وهذا وضوء صلاة الظهر، ماذا؟ لا بأس، سأتوضّأ لبقيّة الصلوات أيضاً حتّى أصليها غداً دون وضوء.

جاءت أمّي تتتبّع صوت الماء الذي طال إهداره.

ـ لماذا تلعب بالماء؟

إبتسمت لها وقد قرّرت إخبارها بفكرتي العبقريّة:

= أنا لا ألعب، أنا أتوضّأ لصلوات يوم غد.

إنفجرت ضاحكة:

ـ يا عبقريّ، لن ينفعك ذلك، غداً ستعيد الوضوء لا محالة، على كلّ حال ستنام متوضئاً، وهذا أيضاً شيء طيّب.

لا أستطيع أن أتخيّل نفسي وقد تجاهلت صلاة الفجر نائماً في فراشي منذ تلك السنين، أعلم أنّني أتعبت والديّ، ولكن كان ذلك رغماً عني، ولله الحمد أثمر تعبهما وبارك الله لهما فيه.

إرتديت ثوبي لكي آخذ ابني للصلاة، خرجت من الغرفة، إنّه يتسلل من غرفته، حمل حذاء الحمام -أعزّكم الله- بلّلهما بالماء، ثمّ هرب إلى غرفته وإرتدى ثوبه.

لحقت به:

- هل توضّأت يا ولد؟

= نعم، نعم، ألا ترى أثر الوضوء في الحذاء؟

- بلى أراه، إلاّ أنّ وجهك لا يوحي بذلك.

= لقد جفّفته.

- إنّ النور الذي يملأ وجوه المتوضّئين لا يشعّ من وجهك، اذهب وأعد الوضوء لكي أرى هذا النور.

أخذت نفساً عميقاً بإنتظاره للصلاة، تذكّرت مشاكساتي وتملّصي من والديّ، جزاهما الله عنّي كلّ خير.

ثم أخذته بيده.

قبل الرحيل: قال صلىّ الله عليه وسلّم:«بشّر المشائين في الظلم بالنور التامّ يوم القيامة».

الكاتب: هناء الحمراني.

المصدر: موقع رسالة المرأة.